فساد وتعذيب داخل معتقلات داعش السرية بالموصل.. ثمن الحرية منزل
في يوم مشمس من شهر نيسان 2015، لم يستطع عبدالله حارث ذو ال28 عاما، ان يرفع وجهه للسماء أو فتح عينيه بصورة مباشرة، ومطالعة ضوء لم تراهً عيناه منذ اكثر 75 يوما، لا يعلم اين كان، وبأي يوم وأين هو.
عبد الله حارث والد لطفلين من سكان الموصل وجد نفسه على قارعة طريق في احد شوارع المدينة التي تقبح تحت حكم المتشددين الذين افرجوا عنه بعد احتجازه بتهمة تخالف تشريعاتهم التي وضعوها منذ سيطرتهم على مدينة الموصل شمالي العراق وثاني كبريات مدنه ذات الغالبية السنية.
"جلستُ على الارض ووضعت يدي على وجهي واجهشت ُبالبكاء لم اصدق باني حر ُ طليق" بهذه الكلمات بدأ يسرد روايته لـ"شفق نيوز"، ورحلته مع سجون تنظيم الدولة الاسلامية داعش.
عبد الله حارث الذي اختار لنفسه هذا الاسم المستعار ليتحدث به عن قصته لانه لازال بالموصل وبياناته لا تزال لدى داعش الذي افرج عنه مؤخرا "فالمتشددون يستخدمون نظام الحاسوب والبيانات المؤرشفة والمعلومات الاستخباراتية كالدولة ان لم نقل افضل"، يقول عبدالله.
ويتحدث عن الاجراءات الاستخباراتية والمعلوماتية لدى التنظيم وعن وعن سبب احتجازه "ضبطوا بمنزلي عشرة صناديق من السكائر الاجنبية التي لم اتمكن من تصريفها مع صدور تعليمات داعش بمنع التداول بها ومنذ ذلك الحين اقتادوني لجهة مجهولة لا اعلمها".
ومن بين تشريعات داعش على سكان الموصل التي منع من خلالها شرب السكائر والتدوال بها وفرض عقوبات قد تصل للجلد للمدخنين لكنه لم يتطرق للتجار الذين يضبط بحوزتهم كميات كبيرة لكن حارث قال بانهم "عصبوا عينيّ وبدأ ينقلونني كما كان يفعل الجيش والقوات الامنية وحين افرج عني ايضا كنت معصوب الاعين واصطحبونني بعجلاتهم الشخصية بمسافات ليست بقصيرة حتى انزلونني منها ثم قاموا بفك عيناي كي لا اعلم المكان الذي كنت مودعا فيه".
وعن المكان يتحدث عبد الله حارث "كنا 113 شخصا في قاعة واحدة وكنت انام على جنب واحد لا اتمكن من الحركة سوى بمساحة محدودة جدا وبين الحين والاخر امثل امام قاضي الدولة الاسلامية الذي كان يتواجد داخل السجن ليستمع لافادتي".
واختفى المئات من ابناء الموصل منذ سيطرة التنظيم على المدينة وخصوصا افراد في الجيش والشرطة ومخالفين لتشريعاتهم يقبعون في سجون يجهلها سكان الموصل ولم يستدل على عناوينهم
ولا يزال مصير اكثر من 30 ضابطا في الجيش العراقي السابق من المتقاعدين برتب عقيد حتى لواء لايزال مجهولا، وتشير تسريبات إلى ان داعش اعتقلهم للاستفادة من خبراتهم، الا ان انباء اخرى تتحدث عن أن المتشددين بدأوا باتخاذ اجراءات احترازية لقمع اي تمرد عسكري قد يظهر مستقبلا.
ولم يكن يعلم حارث بالضبط وجود أي من هؤلاء الضباط، إلا انه اكد وجود افراد من الامن والعسكر داخل المعتقلات.
وتوقف حارث للحظات واستدرك "وجدت شيئا غريبا في قاعة السجن فقد كان هناك سجناء معي من جيش الطريقة النقشبندية يعاملونهم مثلنا كان عددهم ستة اشخاص لكن لم يتسن لي معرفة تهمتهم لكني ادركت حينها بعض الشائعات التي تطلق خارج السجن حول وجود مشاكل بين الدولة الاسلامية وجيش الطريقة النقشبدية لعدم مبايعة التظيم من قبل البعض".
ويعتبر جيش الطريقة النقشبندية الجناح العسكري لنائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري الى جانب حزب البعث الذي يقوده الدوري الان.
على علبة صفيح يجلس ابو علي كث اللحية والشارب امام محل والده الشعبي في سوق باب السراي وسط الموصل يحيط به ثلاثة اشخاص بينهم سيدة ترتدي نقابا يدور الحديث والسؤال عن شخص معتقل لم يعرف مصيره بعد.
ابو علي اطلق سراحه التنظيم مؤخرا والمحيطون به جاءوا ليستفسروا عن والدهم المعتقل ايضا ابو علي كان متخوفا بالحديث بهذا الموضوع لكن تطمينات باسم مستعار له هو من اختاره وعدم التطرق لتهمته حينها بدا بالقول "لا اعلم مكان اعتقالي لكني اذكر ذاك المكان المزدحم ذو الرائحة الكريهة والنتنة، شبيها بمكان للدواجن وقذر للغاية ولا تتوفر فيه ابسط المستلزمات الصحية، لايسمحون لنا بالحلاقة".
ابو علي الذي امضى اربعة اشهر في سجون تنظيم الدولة الاسلامية يضيف "مؤخرا بدأ الفساد يستشري في السجون وادركت حينها ما نسمعه من الخارج بان البعض من قياداتهم يفرون الى سوريا والعراق".
وضرب ابو علي مثلا على ذلك الفساد حين قال "احد المعتقلين لا زال سجينا لكني لا زلت اذكر ذلك اليوم حين تحدث لي بهمس داخل قاعة السجن واخبرني بان القاضي طلب منه منزله مقابل حريته، لكنه رفض ذلك".
وفيما اذا كان التنظيم يستخدم التعذيب للمحتجزين قال ابو علي "التنظيم يستخدم شتى انواع التعذيب مع السجناء من اجل انتزاع الاعترافات منهم دون رقيب او محاسبة. وبعيدا كل البعد عن التشريعات الاسلامية".
وقاطعت السيدة المنقبة الحديث لتكمل مع ابو علي استفسارها عن والدها حين اخبرها بانه لا يعرفه ولم يلتق به في السجن.
وكانت السيدة تسأل عن والدها المعتقل فهو ضابط في الجيش السابق برتبة عميد، منذ الثامن من تموز العام الماضي حين اصطحبه داعش الى جهة مجهولة.
وتقول روايات سكان الموصل ان التنظيم ينقل سجناءه من موقع لاخر مع اشتداد القصف عليه وقرب انطلاق عمليات تحرير الموصل وروايات اخرى تقول بان التنظيم نقل سجناء عراقيين من سكان الموصل الى مدن سورية ومنها الرقة مع قرب اندلاع العمليات
وتقول تقارير استخباراتية ان التنظيم اخلى مئات السجناء من سجن بادوش غرب الموصل واقتادهم الى جهة مجهولة فضلا عن سجناء اخرين كان يحتفظ بهم التنظيم داخل قاعات معسكرات للجيش
وبحسب المعلومات التي تحصلت عليها "شفق نيوز"، فان التنظيم يستخدم سراديب جامعة الموصل كمعتقلات للمناهضين له ولضباط في الجيش والشرطة.
وفي اب 2014 الماضي قصفت طائرة عراقية سجن الاحداث في حي الشفاء غربي الموصل والذي كان يحتجز فيه العشرات من ابناء الموصل قتل على اثرها 20 من عناصر داعش فيما قتل ايضا اكثر من 70 سجينا عراقيا ممن يحتجزهم داعش كان من بينهم ضباط سابقون في الجيش العراقي.